فصل: حوادث سنة سبع وسبعين ومائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة غزا عبد الملك بن عبد الواحد بجيش صاحب الأندلس، بلاد الفرنج، فبلغ ألية، والقلاع، فغمن، وسلم.
وفيها استعمل هشام ابنه الحكم على طليطلة، وسيره إليهأن فضبطهأن وأقام بهأن وولد له بها ابنه عبد الرحمن بن الحكم، وهوالذي ولي الأندلس بعد أبيه.
وفيها استعمل الرشيد على الموصل الحاكم بن سليمان.
وفيها خرج الفضل الخارجي بنواحي نصيبين، فأخذ من أهلها مالأن وسار إلى دارا وآمد وارزن، فأخذ منهم مالأن وكذلك فعل بخلاط، ثم رجع إلى نصيبين، وأتى الموصل، فخرج إليه عسكرهأن فهزمهم على الزاب، ثم عادوا لقتاله، فقتل الفضل وأصحابه.
وفيها مات الفرج بن فضالة، وصالح بن بشر المري القارئ، وكان ضعيفاً في الحديث.
وفيها توفي عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمروبن حزم أبوطاهر الأنصاري، وكان قاضياً ببغداد.
وفيها توفي نعيم بن ميسرة النحوي الكوفي، وأبوالأحوص، وأبوعوانة، واسمه الوضاح مولى يزيد بن عطاء الليثي، وكان مولده سنة اثنتين وتسعين.

.حوادث سنة سبع وسبعين ومائة:

.ذكر غزو الفرنج بالأندلس:

وفيها سير هشام، صاحب الأندلس، جيشاً كثيفأن واستعمل عليهم عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث، فدخلوا بلاد العدو، فبلغوا أربونة، وجرندة، فبدأ بجرندة، وكان بها حامية الفرنج، فقتل رجالهأن وهدم أسوارها وأبراجهأن وأشرف على فتحهأن فرحل عنها إلى أربونة ففعل مثل ذلك، وأوغل في بلادهم، ووطئ أرض شرطانية، فاستباح حريمهأن وقتل مقاتليها وجاس البلاد شهوراً يخرب الحصون، ويحرق ويغمن، قد أجفل العدومن بين يديه هاربأن وأوغل في بلادهم، ورجع سالماً معه من الغنائم ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وهي من أشهر مغازي المسلمين بالأندلس.

.ذكر استعمال الفضل بن روح بن حاتم على إفريقية:

وفي هذه السنة، وهي سنة سبع وتسعين، استعمل الرشيد على إفريقية الفضل بن روح بن حاتم، وكان الرشيد لما توفي روح استعمل بعده حبيب بن نصر المهلبي، فسار الفضل إلى باب الرشيد، وخطب ولاية إفريقية، فولاه، فعاد إليهأن فقدم في المحرم سنة سبع وسبعين ومائة، فاستعمل على مدينة تونس ابن أخيه المغيرة بن بشر بن روح، وكان غارأن فاستخف بالجند.
وكان الفضل أيضاً قد أوحشهم، وأساء السيرة معهم، بسبب ميلهم إلى نصر بن حبيب الوالي قبله، فاجتمع من بتونس، وكتبوا إلى الفضل يستعفون من ابن أخيه، فلم يجبهم عن كتابهم، فاجتمعوا على ترك طاعته، فقال لهم قائد من الخراسانية يقال له محمد بن الفارسي: كل جماعة لا رئيس لها فهي إلى الهلاك أقرب، فانظروا رجلاً يدبر أمركم. قالوا: صدقت؛ فاتفقوا على تقديم قائد منهم يقال له عبد الله بن الجارود يعرف بعبدويه الأنباري، فقدموه عليهم، وبايعوه على السمع والطاعة، وأخرجوا المغيرة عنهم، وكتبوا إلى الفضل يقولون: إنا لن نخرج يداً عن طاعة، ولكنه أساء السيرة، فأخرجناه، فول علينا من نرضاه.
فاستعمل عليهم ابن عمه عبد الله بن يزيد بن حاتم وسيره إليهم. فلما كان على مرحلة من تونس أرسل إليه ابن الجارود جماعة لينظروا في أي شيء قدم ولا يحدثوا حدثاً إلا بأمره، فساروا إليه، وقال بعضهم لبعض: إن الفضل يخدعكم بولاية هذأن ثم ينتقم منكم بإخراجكم أخاه؛ فعدوا على عبد الله بن يزيد فقتلوه، وأخذوا من معه من القواد أسارى، فأضطر حينئذ عبد الله بن الجارود ومن معه إلى القيام والجد في إزالة الفضل، فتولى ابن الفارسي الأمر، وصار يكتب إلى كل قائد بإفريقية ومتولي مدينة يقول له: إنا نظرنا في صنيع الفضل في بلاد أمير المؤمنين، وسوء سيرته، فلم يسعنا إلا الخروج عليه لنخرجه عنأن ثم نظرنا فلم نجد أحداً أولى بنصيحة أمير المؤمنين، لبعد صوته، وعطفه على جنده منك، فرأينا أن نجعل نفوسنا دونك، فإن ظفرنا جعلناك أميرنأن وكتبنا إلى أمير المؤمنين نسأله ولايتك، وإن كانت الأخرى لم يعلم أحد إننا إردناك، والسلام.
فأفسد بهذا كافة الجند على الفضل، وكثر الجمع عندهم، فسير إليهم الفضل عسكرا كثيرأن فخرجوا إليه، فقاتلوه، فانهزم عسكره وعاد إلى القيروان منهزمأن وتبعهم أصحاب ابن الجارود، فحاصروا القيروان يومهم ذلك، ثم فتح أهل القيروان الأبواب، ودخل ابن الجارود وعسكره في جمادي الآخرة سنة ثمان وسبعين ومائة، وأخرج الفضل من القيروان، ووكل به وبمن معه من أهله أن يوصلهم إلى قابس، فساروا يومهم، ثم ردهم ابن الجارود، وقتل الفضل بن روح بن حاتم.
فلما قتل الفضل غضب جماعة من الجند، واجتمعوا على قتال ابن الجارود، فسير إليهم عسكرأن فانهزم عسكره، وعاد إليه بعد قتال شديد واستولى أولئك الجند على القيروان، وكان ابن الجارود بمدينة تونس، فسار إليهم وقد تفرقوا بعد دخول القيروان، فوصل إليهم ابن الجارود، فلقوه واقتتلوأن فهزمهم ابن الجارود وقتل جماعة من أعيانهم، فانهزموأن فلحقوا بالأربس، وقدموا عليهم العلاء بن سعيد والي بلد الزاب وساروا إلى القيروان.

.ذكر ولاية هرثمة بن أعين بلاد إفريقية:

اتفق وصول يحيى بن موسى من عند الرشيد لما قصد العلاء ومن معه القيروان؛ وكان سبب وصوله أن الرشيد بلغه ما صنع ابن الجارود، وإفساده إفريقية، فوجه هرثمة بن أعين ومعه يحيى بن موسى، لمحله عند أهل خراسان، وأمر أن يتقدم يحيى، ويلطف بابن الجارود ويستعمله ليعاود الطاعة قبل وصول هرثمة، فقدم يحيى القيروان، فجرى بينه وبين ابن الجارود كلام كثير، ودفع إليه كتاب الرشيد، فقال: أنا على السمع والطاعة، وقد قرب مني العلاء بن سعيد ومعه البربر، فإن تركت القيروان وثب البربر فملكوهأن فأكون قد ضيعت بلاد أمير المؤمنين، ولكني أخرج إلى العلاء فإن ظفر بي فشأنكم والثغور، وإن ظفرت به انتظرت قدوم هرثمة فأسلم البلاد إليه، وأسير إلى أمير المؤمنين.
وكان قصده المغالطة، فإن ظفر بالعلاء منع هرثمة عن البلاد، فعلم يحيى ذلك، وخلا بابن الفارسي، وعاتبه على ترك الطاعة، فاعتذر، وحلف أنه عليهأن وبذل من نفسه المساعدة على ابن الجارود، فسعى ابن الفارسي في إفساد حاله، واستمال جماعة من أجناده، فأجابوه، وكثر جمعه، وخرج إلى قتال ابن الجارود، فقال ابن الجارود لرجل من أصحابه اسمه طالب: إذا تواقفنا فإنني سأدعوا ابن الفارسي لأعاتبه فأقصده أنت وهوغافل فاقتله! فأجابه إلى ذلك، وتواقف العسكران، ودعا ابن الجارود محمد بن الفارسي وكلمه، وحمل طالب عليه وهوغافل فقتله، وانهزم أصحابه، وتوجه يحيى بن موسى إلى هرثمة بطرابلس.
وأما العلاء بن سعيد فإنه لما علم الناس بقرب هرثمة منهم كثر جمعه، وأقبلوا إليه من كل ناحية، وسار إلى ابن الجارود، فعلم ابن الجارود أنه لا قوة له به، فكتب إلى يحيى بن موسى يستدعيه ليسلم إليه القيروان، فسار إليه في جند طرابلس في المحرم سنة تسع وسبعين ومائة، فلما وصل قابساً تلقاه عامة الجند، وخرج ابن الجارود من القيروان مستهل صفر، وكانت ولايته سبعة أشهر.
وأقبل العلاء بن سعيد ويحيى بن موسى يستبقان إلى القيروان، كل منهما يريد أن يكون الذكر له فسبقه العلاء ودخلهأن وقتل جماعة من أصحاب ابن الجارود، وسار إلى هرثمة وسار ابن الجارود أيضاً إلى هرثمة، فسيره هرثمة إلى الرشيد، وكتب إليه يعلمه أن العلاء كان سبب خروجه، فكتب الرشيد يأمره بإرسال العلاء إليه، فسيره، فلما وصل لقيه صلة كثيرة من الرشيد وخلع، فلم يلبث بمصر إلا قليلاً حتى توفي.
وأما ابن الجارود فاعتقل ببغداد، وسار هرثمة إلى القيروان، فقدمها في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة، فآمن الناس وسكنهم، وبنى القصر الكبير بالمنستير سنة ثمانين ومائة، وبنى سور مدينة طرابلس مما يلي البحر.
وكان إبراهيم بن الأغلب بولاية الزاب، فأكثر الهدية إلى هرثمة ولاطفه، فولاه هرثمة ناحية من الزاب فحسن أثره فيها.
ثم إن عياض بن وهب الهواري وكليب بن جميع الكلبي جمعاً جموعأن وأراد قتال هرثمة، فسير إليهما يحيى بن موسى في جيش كثير، ففرق جموعهمأن وقتل كثيراً من أصحابهمأن وعاد إلى القيروان.
ولما رأى هرثمة ما بإفريقية من الاختلاف واصل كتبه إلى الرشيد يستعفي، فأمره بالقدوم عليه إلى العراق، فسار عن إفريقية في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة، فكانت ولايته سنتين ونصفاً.

.ذكر الفتنة بالموصل:

وفيها خالف العطاف بن سفيان الأزدي على الرشيد، وكان من فرسان أهل الموصل، واجتمع عليه أربعة آلاف رجل، وجبي الخراج، وكان عامل الرشيد على الموصل محمد بن العباس الهاشمي، وقيل عبد الملك بن صالح، والعطاف غالب على الأمر كله، وهويجبي الخراج، وأقام على هذا سنتين، حتى خرج الرشيد إلى الموصل فهدم سورها بسببه.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة عزل الرشيد جعفر بن يحيى عن مصر، واستعمل عليها إسحاق بن سليمان، وعزل حمزة بن مالك عن خراسان، واستعمل عليها الفضل بن يحيى البرمكي مضافاً إلى ما كان إليه من الأعمال، وهي الري وسجستان وغيرهما.
وفيها غزا الصائفة عبد الرزاق بن عبد الحميد التغلبي.
وفيهأن في المحرم، هاجت ريح شديدة وظلمة، ثم عادت مرة ثانية في صفر. وحج بالناس الرشيد.
وفيها توفي عبد الواحد بن زيد، وقيل سنة ثمان وسبعين.
وفيها توفي شريك بن عبد الله النخعي، وجعفر بن سليمان.

.حوادث سنة ثمان وسبعين ومائة:

.ذكر الفتنة بمصر:

وفي هذه السنة وثبت الحوفية بمصر على عاملهم إسحاق بن سليمان، وقاتلوه، وأمده الرشيد بهرثمة بن أعين، وكان عامل فلسطين، فقاتلوا الحوفية، وهم من قيس وقضاعة، فأذعنوا بالطاعة، وأدوا ما عليهم للسلطان، فعزل الرشيد إسحاق عن مصر، واستعمل عليها هرثمة مقدار شهر، ثم عزله واستعمل عليها عبد الملك بن صالح.

.ذكر خروج الوليد بن طريف الخارجي:

وفيها خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة، ففتك بإبراهيم بن خازم ابن خزيمة بنصيبين، ثم قويت شوكة الوليد، فدخل إلى أرمينية، وحصر خلاط عشرين يومأن فافتدوا منه أنفسهم بثلاثين ألفاً.
ثم سار إلى أذربيجان، ثم إلى حلوان وأرض السواد، ثم عبر إلى غرب دجلة، وقصد مدينة بلد، فافتدوا منه بمائة ألف، وعاث في أرض الجزيرة فسير إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني، وهوابن معن بن زائدة، فقال الوليد:
ستعلم يا يزيد إذا التقينا ** بشط الزاب أي فتىً يكون

فجعل يزيد يخاتله ويماكره، وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فقالوا للرشيد: إمنا يتجافى يزيد عن الوليد للرحم، لأنهما كلاهما من وائل، وهونوا أمر الوليد، فكتب إليه الرشيد كتاب مغضب، وقال له: لووجهت أحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به، ولكنك مداهن، متعصب، وأقسم بالله إن أخرت مناجزته لأوجهن إليك من يحمل رأسك؛ فلقي الرشيد عشية خميس في شهر رمضان سنة تسع وسبعين، فيقال: جهد عطشاً حتى رمى بخاتمه في فيه، وجعل يلوكه ويقول: اللهم إنها شدة شديدة، فاسترها! وقال لأصحابه: فداكم أبي وأمي إمنا هي الخوارج، ولهم حملة، فاثبتوأن فإذا انقضت حملتهم فاحملوا عليهم فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا.
فكان كما قال، حملوا عليهم حملة، فثبت يزيد ومن معه من عشيرته، ثم حمل عليهم فانكشفوأن فيقال: إن أسد بن يزيد كان شبيهاً بأبيه جداً لا يفصل بينهما إلا ضربة في وجه يزيد تأخذ من قصاص شعره، منحرفة على جبهته، فكان أسد يتمنى مثلهأن فهوت إليه ضربة، فأخرج وجهه من الترس، فأصابته في ذلك الموضع، فيقال لوخطت على ضربة أبيه ما عدا.
واتبع الوليد بن طريف، فلحقه، فاحتز رأسه، فقال بعض الشعراء:
وائل بعضهم يقتل بعضاً ** لا يغل الحديد إلا الحديد

فلما قتل الوليد صبحتهم أخته ليلى بنت طريف، مستعد، عليها الدرع، فجعلت تحمل على الناس، فعرفت، فقال يزيد: دعوها! ثم خرج إليها فضرب بالرمح قطاة فرسهأن ثم قال: اعزبي، عزب الله عليك، فقد فضحت العشيرة؛ فاستحيت وانصرفت وهي تقول ترثي الوليد:
بتل تباثاً رسم قبر كأنه ** على علم فوق الجبال منيف

تضمن جوداً حاتمياً ونائلاً ** وسورة مقدام وقلب حصيف

ألا قاتل الله الجثى كيف أضمرت ** فتىً كان بالمعروف غير عفيف

فإن يك أرداه يزيد بن مزيد ** فيا رب خيل فضها وصفوف

ألا يا لقومي للنوائب والردى ** ودهر ملح بالكرام عنيف

وللبدر من بين الكواكب قد هوى ** وللشمس همت بعده بكسوف

فيا شجر الخابور ما لك مورقاً ** كأنك لم تجزع على ابن طريف

فتىً لا يحب الزاد إلا من التقى ** ولا المال إلا من قنا وسيوف

ولا الخيل إلا كل جرداء شطبة ** وكل حصان باليدين عروف

فلا تجزعا يا ابني طريف فإنني ** أرى الموت نزالاً بكل شريف

فقدناك فقدان الربيع فليتنا ** فديناك من دهمائنا بألوف

وقال مسلم بن الوليد في قتل ورفق يزيد في قتاله من قصيدة هذه الأبيات:
يفتر عند افترار الحرب مبتسماً ** إذا تغير وجه الفارس البطل

موف على مهج في يوم ذي رهج ** كأنه أجل يسعى إلى أمل

ينال بالرفق ما يعيا الرجال به ** كالموت مستعجلاً يأتي على مهل

وهي حسنة جداً.

.ذكر غزو الفرنج والجلالقة بالأندلس:

فيها سير هشام صاحب الأندلس عسكراً مع عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث إلى بلاد الفرنج، فغزا الية والقالع، فغمن وسلم.
وسير أيضاً جيشاً آخر مع أخيه عبد الملك بن عبد الواحد إلى بلاد الجلالقة، فخرب دار ملكهم أدفنش وكنائسه، وغمن. فلما قفل المسلمون ضل الدليل بهم، فنالهم مشقة شديدة، ومات منهم بشر كثير، ونفقت دوابهم، وتلفت آلاتهم، ثم سلموا وعادوا.

.ذكر فتنة تاكرنا:

وفيها هاجت فتنة تاكرنا بالأندلس، وخلع بربرها الطاعة، وأظهروا الفساد، وأغاروا على البلاد، وقطعوا الطريق، فسير هشام إليهم جنداً كثيفاً عليهم عبد القادر بن أبان بن عبد الله، مولى معاوية بن أبي سفيان، فقصدوها وتابعوا قتال من فيها إلى أن أبادوهم قتلاً وسبيأن وفر من بقي منهم فدخل في سائر القبائل، وبقيت كورة تاكرنا وجبالها خالية من الناس سبع سنين.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم، وغزا الشاتية سليمان بن راشد، ومعه البند بطريق صقلية.
وحج بالناس هذه السنة محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي.
وفيها فوض الرشيد أمور دولته كلها إلى يحيى بن خالد البرمكي.
وفيها وصل الفضل بن يحيى إلى خراسان، وغزا ما وراء النهر من بخارى، فحضر عنده صاحب أشروسنة، وكان ممتنعاً؛ وبنى الفضل بخراسان المساجد والرباطات.
وفيها توفي عبد الوارث بن سعيد، والمفضل بن يونس، وجعفر بن سليمان الضبعي.

.حوادث سنة تسع وسبعين ومائة:

.ذكر غزو الفرنج بالأندلس:

وفيها سير هشام صاحب الأندلس جيشاً كثيفاً عليهم عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث، إلى جليقية، فساروا حتى انتهوا إلى استرقة، وكان أذفونش، ملك الجلالقة، قد جمع وحشد، وأمده ملك البشكنس، وهم جيرانه، ومن يليهم من المجوس، وأهل تلك النواحي، فصار في جمع عظيم، فأقدم عليه عبد الملك، فرجع أذفونش هيبة له، وتبعهم عبد الملك يقفوأثرهم، ويهلك كل من تخلف منهم، فدوخ بلادهم، وأوغل فيهأن وأقام فيها يغمن، ويقتل، ويخرب، وهتك حريم أذفونش، ورجع سالماً.
وكان قد سير هشام جيشاً آخر من ناحية أخرى، فدخلوا أيضاً على ميعاد من عبد الملك، فأخربوأن ونهبوأن وغمنوأن فلما أرادوا الخروج من بلاد العدواعترضهم عسكر للفرنج فنال منهم، وقتل نفراً من المسلمين ثم تخلصوأن وسلموأن وعادوا سالمين سوى من قتل منهم.

.ذكر عدة حوادث:

فيها عاد الفضل بن يحيى من خراسان، فاستعمل الرشيد منصور بن يزيد بن منصور الحميري، خال المهدي؛ واعتمر الرشيد في شهر رمضان، شكراً لله تعالى على قتل الوليد بن طريف، وعاد إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج، وحج بالناس، ومشى من مكة إلى منى ثم إلى عرفات، وشهد المشاعر كلها ماشيأن ورجع على طريق البصرة.
وفيها خرج بخراسان حمزة بن أترك السجستاني.
وفيها توفي حماد بن زيد درهم الأظدي، ولاهم أبوإسماعيل، ومالك بن أنس الأصبحي، الإمام أستاذ الشافعي.
وفيها توفي مسلم بن خالد الزنجي أبوعبد الله الفقيه المكي، وصحبه الشافعي قبل مالك، وأخذ عنه الفقه، وإمنا قيل له الزنجي لأنه كان أبيض مشرباً بحمرة، وعباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي البصري، وأبوالأحوص سلام بن سليم الحنفي سلام بتشديد اللام.

.حوادث سنة ثمانين ومائة:

.ذكر وفاة هشام:

وفيها مات هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، صاحب الأندلس، في صفر، وكانت إمارته سبع سنين وسبعة أشهر وثمانية أيام، وقيل تسعة أشهر، وقيل سبعة أشهر، وكان عمره تسعاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر، وكنيته أبوالوليد؛ وكانت أمه أم ولد.
كان أبيض أشهل، مشرباً بحمرة، بعينيه حول، وخلف خمسة بنين؛ وكان عاملاً حازمأن ذا رأي وشجاعة وعدل، خيرأن محباً لأهل الخير والصلاح، شديداً على الأعداء، راغباً في الجهاد.
ومن أحسن عمله أنه أخرج مصدقاً يأخذ الصدقة على كتاب الله وسنة نبيه أيام ولايته، وهوالذي تمم بناء الجامع بمدينة قرطبة، وكان أبوه قد مات قبل فراغه منه، وبنى عدة مساجد معه، وبلغ من عز الإسلام في أيامه وذل الكفر أن رجلاً مات في أيامه، فأوصى أن يفك أسير من مسلمين من تركته، فطلب ذلك، فلم يوجد في دار الكفار أسير يشتري ويفك لضعف العدو وقوة المسلمين.
ومناقبه كثيرة قد ذكرها أهل الأندلس كثيرأن وبالغوا حتى قالوا كان يشبه في سيرته بعمر بن عبد العزيز، رحمه الله.

.ذكر ولاية ابنه الحكم ولقبه المنتصر:

ولما مات استخلف بعده ابنه الحكم، وكان الحكم صارمأن حازمأن وهوأول من استكثر من المماليك بالأندلس، وارتبط الخيل ببابه، وتشبه بالجبابرة.
وكان يباشر الأمور بنفسه، وكان فصيحأن شاعرأن ولما ولي خرج عليه عماه سليمان وعبد الله، وكان في بر العدوة الغربية، فعبر عبد الله البلنسي إلى الأندلس، فتولى بلنسية، وتبعه أخوه سليمان، وكان بطنجة، وأقبلا يؤلبان الناس على الحكم، ويثيران الفتنة، فتحاربوا مدة والظفر للحكم.
ثم إن الحكم ظفر بعمه سليمان، فقتله سنة أربع وثمانين ومائة، وأما عبد الله فأقام ببلنسية، وقد كف عن الفتنة، وخاف، فراسل الحكم في الصلح، فأجابه إلى ذلك، فوقع الصلح بينهما سنة ست وثمانين، وزوج أولاد عبد الله بأخواته، وسكنت الفتنة.
ولما اشتغل الحكم بالفتنة مع عميه اغتمن الفرنج الفرصة، فقصدوا بلاد الإسلام، وأخذوا مدينة برشلونة واتخذوها دارأن ونقلوا أصحابهم إليهأن وتأخرت عساكر المسلمين عنهأن وكان أخذها سنة خمس وثمانين ومائة.